اليقين
لقد تكلمنا في الأسبوع الماضي عن مكانة الشهادتين، وذكرنا أن أئمة السلف وضعوا شروطا للشهادتين التي لا تنفع قائلها إلا باجتماعها، ومنها اليقين.
واليقين في لغة العرب هو: العلم وإزاحة الشك، وتحقيق الأمر.
وقد أورد أهل العلم أكثر من معنى لليقين، كلها لا تبعد عن هذا المعنى، وحتى يتبين الأمر لي ولك انظر إلى هذه الآيات التي وردت في معنى اليقين:
1- قال الله تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ (سورة الحجر آية: 99) أي الموت.
2- وقال تعالى: ﴿ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ﴾ (سورة المدثر الآيتان: 46-47).
3- وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ (سورة البقرة آية: 46) وهنا سمي الظن يقينا.
ولا شك عند أهل اللغة أن اليقين هو: أعلى درجات الإدراك.
أما اليقين في الشرع:
فمن معاني اليقين الذي يهمنا في هذا المقام، أو في هذا البحث اليقين من حيث هو أصل للإيمان إذ لا إيمان مع الشك.
وإذا نظر إلى هذا المعنى، فهو شرط من شروط "شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وعليه يجب أن يكون كل مؤمن موقنا وإلا انتفى الإيمان عنه.
وخذ أخي العزيز: النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، الدالة على هذا المعنى:
1- قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ (سورة الحجرات آية: 15).
2- وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ﴾ (سورة التوبة آية: 45).
وأخبر الله عن الكفار حين قالوا لرسلهم: ﴿ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ (سورة إبراهيم الآيتان: 9-10).
وأخبر سبحانه أنهم إذا طلب منهم الإيمان بالبعث قالوا: ﴿ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ﴾ (سورة الجاثية آية: 32).
أما السنة النبوية فقد قال صلى الله عليه وسلم: ) من شهد أن لا إله إلا الله، مخلصا من قلبه، أو يقينا من قلبه لم يدخل النار ( (سورة النساء آية: 65).
أما مقالات بعض أهل العلم في اليقين:
فقد قال الحسن البصري رحمه الله: ما طلبت الجنة إلا باليقين، ولا هربت النار إلا باليقين، ولا أديت الفرائض إلا باليقين، ولا صبر على الحق إلا باليقين".
وقال سفيان الثوري رحمه الله: "لو أن اليقين وقع في القلب كما ينبغي لطارت القلوب اشتياقا إلى الجنة، وخوفا من النار".
أخي العزيز: إن اليقين هو روح أعمال القلوب التي هي روح أعمال الجوارح، كما أن اليقين عمل قلبي من أجل أعمال القلوب، بل هو روحها، ومع ذلك فهو أنواع، وللناس فيه درجات متفاوتة.
ذكر أهل العلم أن أنواع اليقين تنقسم إلى نوعين اثنين وهما:
1- يقين في خبر الله.
2- يقين في أمر الله الشرعي الكوني.
وأن اليقين في خبر الله، هو الإيمان بصدقه، وتحقق وقوعه، إيمانا لا شك فيه.
وأما المراد بخبر الله ما كان من الأمور العلمية الاعتقادية التي حسب المؤمن فيها أن يؤمن بها، وأن يصدق بها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "اليقين يتضمن اليقين في القيام بأمر الله، وما وعد الله أهل طاعته، ويتضمن اليقين بقدر الله، وخلقه وتدبيره".
ولا شك أن المصطفى – عليه الصلاة والسلام – قد بلغ ذروة اليقين، ليس فيما أخبر الله به من أمور الدين والإيمان فحسب، بل في كل ما أخبر الله ووعده، حتى أنه – صلى الله عليه وسلم – كان موقنا بأن الله سينصره، ويظهره على العالمين، وهو ما يزال في أقسى مواقف الاضطهاد، والتشريد، والأذى، ولم يستبطئ نصر الله.
وأنه يجب على المسلم حقيقة الاستسلام لحكمه استسلاما يرتقي لدرجة الإحسان، قال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ (سورة النساء آية: 65).
واليقين في أمر الله: هو العمل المطلوب من العبد، فيؤمن بأمر الله فيستقيم عليه، ويقوم بأداء هذا العمل الذي افترضه الله عليه.
فيجب على علماء الأمة الإسلامية إحياء اليقين بخبر الله، وما جاء من الأمور الغيبية، هذا ولله الحمد لا شك فيه معلوم عند كثير من المسلمين.